علم الاصول

 

سياحة في آراء علماء الأصول

 

مقدمة لفتح الباب

 

أخي إ ن هذا الفن له دور ينبغي الاهتمام به كثيرا وتظهر أهميته في مساعدة الطالب الباحث في شؤون المعرفة وأرى هنا أنه لا بد من إلقاء الضوء على ما نحن بصدده ،ويتجلى ذلك في قول أهل العلم (من حرم الأصول حرم الوصول إذ لا يمكن أن تصل إلى ما تريد إلا باهتمامك بهذا الجانب البارز قال الله(وأولـــات ألاحمال أجلهن أن يضعن حملهن )سورة الطلاق الآية 4 ومعنى هذا أن ظاهر الآية يدل على أن المرأة إذا وضعت ولو بعد موت زوجها بدقائق انتهت عدتها وقد استفدنا هذا من دراسة أصول الفقه لأن هذا عموم ،والعموم يشمل جميع أفراده

 

 

نشأة علم أصول الفقه

 

 

نشأعلم أصول الفقه إبان ظهور الحركة الاجتهادية في عهد الخلفاء الراشدين وبقية الصحابة الذين كانوا يستفتون في المسائل المستجدة يبحث المجتهد منهم عن حكمها الشرعي في نصوص القرآن الكريم وظواهره ،ثم في منطوق الحديث النبوي ومفهومه وإيحاءاته ،ثم يلجأ إلى القياس أو الاجتهاد بالرأي المتفق مع روح التشريع ومقاصده وإيماءاته ،وذلك عملا بقول الله تعالى (فاعتبروا يــاــأولي الابصــاـر )وبما دلت عليه السنة النبوية بآثار بلغت حد التواترعلى مشروعية القياس منها حديث معاذ الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم قاضيا ومعلما والمتضمن أن الرسول سأله (ما ذا تصنع إن عرض لك قضاء ) قال أقضي بما في كتاب الله قال (فإن لم تجد في كتاب الله )قال فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،قال ( فإن لم يكن في سنة رسول الله ) قال أجتهد رأيي ولا آلو أي لا أقصر فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدر معاذ ،وقال (الحمد لله الذي وفق رسول الله لما يرضي رسول الله ) فهذا يدل على إقرار الرسول العمل بالرأي الصحيح المستند على النصوص مع روح التشريع و القياس الذي هو نوع من الرأي ،وهكذا استمر العمل في عصر التابعين بحزم وعزم حيث ،نجدهم قدموا القرآن الكريم في بداية الأمر ثم جاءت السنة المطهرة ثم جاؤوا بالإجماع ثم الرأي ،غير أن بعضهم كان يميل إلى العمل بالقياس بإلحاق الأمور غير المنصوص على حكمها بالمنصوص عليها،ونجد بعضهم يميل إلى العمل بالمصلحة ومع هذا كان التابعون يأخذون بآراء الصحابة ويقدمونها علىالعمل برأيهم ، ومن هنا نشأ الخلاف بين العلماء ،فمنهم من قدم الأصول ،لتبنى عليها الفروع ،ومنهم من قدم الفروع باعتبار أنها مستفادة من الأصول غير أن الباحث في الأصل عليه أن يكون على بينة من هذا العلم ليكون ما يجود به عقله في المستوى الذي يكون غذاء عقليا للباحثين والعلماء ،فمثلا نجد أصحاب مالك بن أنس لا يأخذون من مذهبه إلا ما كان مأخوذا من علم ابن القاسم والأشهب ،ونجد أصحاب أبي حنيفة لا يأخذون عنه إلا ما حكاه أبو يوسف ومحمد بن الحسن ،ويعتبر الشافعي المؤلف الأول في علم الأصول ، ولذا كان العلماء الكبار يأخذون من علمه باعتبار تضلعه في علوم عصره وتواضعه مع كافة أهل العلم وذلك نظرالمعارف في العلم والمعرفة ،وفي هذا الشأن قال الغزالي (لا ينال العلم إلا بالتواضع ) ومثله كان ابن حنبل الذي قال( إن مالكا كان سيدا من ساداتأهل ،وهو إمام في الفقه والحديث )وكما تقدم أن العالم لا يأخذ من عالم آخر إلا إذا علم أن هذا العالم أخذ من شيوخ آخرين ،وذلك زيادة في الرفع من القيمة العلمية لهؤلاء العلماء ولكي يكون نقل هؤلاء بريئا وصافيا عليهم بغربلة مؤلفاتهم ،وهذا ما وقع للقاضي عبد الوهاب البغدادي الذي جرد علم الأصول مما علق به من الإغراق في التعليقات والغوص في الجدليات و تحرير العلم من التعصب والتقليد ،ومن عناية القاضي عبد الوهاب بعلم الأصول أنه بنى الفروع على الأصول وجعلهمنهجا له في سائر كتبه الفقهية حيث كان يربط معلوماته العالية بقواعدها وأصولها وهذا ما سهل عليه طريق الاكتشاف والاستنباط ،ومن جانب آخر نعلم أن الفروعجمع فرع وهو مايبنى على غيره ،أما الأصول فهو جمع أ صل وهو مايبنى عليه غيره ومن جهود العالم عبد الوهاب أنه اتخذ بناء الفروع على الأصول منهجا له في سائر كتبه الفقهية للوصول إلى ربط هذه القواعد بأصولها ومن هنا نستطيع أن نحكم على هذهالجهود العلمية الموفقة لهذا الرجل ا لناجح في مساره العلمي

 

 

الاجتهاد واستنباط الأحكام

 

 

بحثت في النص الآتي عن استخراج ما أريده ،غير أني وجدت نفسي في حاجة إلى جهد ، لا يستهان به فالمجتهد مثلا يجد نفسه مدفوعا للتعامل مع النص القرآني الكريم ،وهو قوله جل علاه (وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا )فهنا نجد المجتهد إذا لم يكن عالما بالأمور النحوية واللغوية والتفسيرية فإنه يجد نفسه عاجزا عن أخذ ما كان في حاجة إليه من هذا النص ،ولكن في وسعه أن يستنبط منه أن (القاسطون هم   الظالمون )ترك لفظة حطب ووضع مكانها لفظة (الظالمين )ثم نجد عالما آخر ،يقول الظالمون هم الذين يشتغلون بسلوك الناس ،فهؤلاء فتحوا أفواههم على إخوانهم وتلاعبوا بحياتهم وسلوكهم ،وفي آخر الكلام نجد هؤلاء المجتهدين أن أحدهم و صف (القاسطون )بالحطب ووصف (المجتهد الآخر بالتلاعب بحياة الغير، ويلاحظ هنا أن الحطب والتلاعب تقريبا بمعنى واحد ثم إن على المجتهد أن يستنبط أحكامه من السنة النبوية كقوله تعالى (إن المغضوب عليهم هم اليهود ،وأن الضالين هم النصارى ،والصلاة الوسطى هي صلاة العصر )كما فسر النبي صلى الله عليه وسلم اليوم الأكبر بيوم النحر ،وفسر قوله تعالى (وألزمهم كلمة التقوى )هي لا إله إلا الا الله ) وفسر النبي صلى الله عليه وسلم كلمة الكوثر بنهر في الجنة ،هذا ومن المعلوم أن الاجتهاد لا يكون إلا في المسائل التي لم يرد فيها نص شرعي كما أنه لا اجتهاد في النصوص القطعية الدلالة ويعتبر إلحاق حكم لا نص فيه بالنص الذي فيه حكم من أبرز ما يبذله المجتهد في استنباط الأحكام ،ومن هنا تبرز شخصية الأصولي الرفيع المستوى الذي يعرف كيف يتصرف في فروع مادته

 

 

حاجتنا إلى التشريع

 

 

قسم العلماء العلم الذي جاءبه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من ربه إلى ثلاثة أقسام :

1 قسم إخباري وهو مايتعلق بأمور الغيب والآخرة كصفات الله سبحانه وأعماله والرسالات والملائكة والجنة والنار والحساب وغير ذلك مما يدخل في مسائل الغيب والإيمان

2 وقسم يتعلق بالأعمال وهو التشريع ،والأعمال التي كلفنا بها بضم الكاف منها ما يتعلق بالصلة بينالعبد وربه ـفهذه تسمى بالعبادات ،وأعظمها الصلاة والصوم والزكاة والحج ،ومنها ما يتعلق بين الناس بعضهم مع بعض كالزواج والطلاق والبيع والميراث والهبة

3 وقسم يتعلق بالكمال الإنساني وهو الأخلاق والتزكية ،وبالرغم من أن شريعة الإسلام قد كملت بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم فإن المسلمين مع ذلك ما زالوا في حاجة إلى استنباط الأحكام لقضاياهم وأغراضهم التي ما زالت في حاجة إلى تجديد مستمر

 

 

أنواع الأحكام الشرعية

 

 

أنواعها سبعة وهي كالتالي 1 الواجب 2 المندوب 3 المباح 4المحظور 5 المكروه 6 الصحيح 7 الباطل ،فالواجب هو ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه ،والمندوب هو ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه ،والمباح هو ما لا يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه ، والمحظور هو ما يثاب على تركه ويعاقب على فعله ،والمكروه هو ما يثاب على تركه ولا يعاقب على فعله ،والصحيح هو ما يتعلق به النفوذ ويعتد به ،والباطل هو ما لا يتعلق به النفوذ ولا يعتد به

 

 

( ربنا لا تواخذنا إن نسينا أو أخطأنا )

 

 

المصـــــــــــــــــــــــــادر

 

 

 

1 أصول الفقه الإسلامي       للدكتور وهبة الزحيليص 12 1 1

2 التشريع الجنائي الإسلامي للعلامة عبد القادر عودة ص 134

3 دراسات في الاختلافات الفقهية للدكتور أبو الفتح ص 43

 

 

بقلم الباحث الشاعر د الهبطي

 

=============================================

 

درس في أصول الفقه

تحت عنوان سر دخول الباء في قوله سبحانه

(برؤوسكم )

 

الموضـــــــــــوع

 

 

قال الحق سبحانه )يــا ايها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلوة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم ،وأرجلكم إلى الكعبين ) سورة المائدة الآية 6 وسر دخول الباء في قوله تعالى (برؤوسكم )راجع إلى اختلاف العلماء في هذا الشأن فمنهم من وافق على وجوب استيعاب مسح الوجوه والأيدي في التيمم ،ومنهم من اختلف في القدر الواجب مسحه من الرأس في الوضوء ،فروي عن الأكوع أنه كان يمسح مقدم رأسه ،وعن إبراهيم والشعبي أي نواحي رأسك مسحت أجزأك ،وأما فقهاء الأمصار فالمشهور من مذهب مالك وجوب التعميم ،وعند الشافعي رحمه الله وجوب أدنى ما يطلق عليه اسم المسح ،ومشهور مذهب أبي حنيفة والشافعي أن الأفضل استيعاب الجميع وأخذ أبوحنيفة ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما روي أنه مسح على ناصيته وقدر الناصية بربع الرأس ) وهذا الخلاف بينهم مبني على اختلافهم في مدلول الباء الداخلة على الرأس فذهب فريق منهم إلى أنها زائدة مؤكدة ،والمعنى امسحوا رؤوسكم وذهب فريق آخر إلى أنها للتبعيض والمعنى بعض رؤوسكم وذهب فريق ثالث إلى أنها للإلصاق ،والمعنى ألصقوا المسح برؤوسكم ،فمن رآها زائدة أوجب مسح الرأس أخذا بالاحتياط وحجته قوله تعالى في التيمم ( فامسحوا بوجوهكم وأيدكم ) فكما لا يجزئ في التيمم مسح بعض الرأس باتفاق فكذلك لا يجزئ في الوضوء مسح بعض الرأس ،وروي (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته وعلى عمامته وخفيه ) و قدر أهل العلم الناصية بربع الرأس وقال فريق آخر إن زيادة الباء جيء بها للتوكيد لا غير ،وأما قولهم بأن الباء للتبعيض فذلك شيء لم يعرف لدى أكثر الناس ،وجاءنا الإمام الشافعي قائلا أن الباء في ( برؤوسكم ) أنها للإلصاق بمعنى (ألصقوا المسح برؤوسكم )وفاجأنا ابن هشام في مغني اللبيب أن من معاني الباء التبعيض وقال الأصمعي والفارسي وغيرهما أن الباء في (وامسحوا برؤوسكم ) أنها للإلصاق أو للإ ستعانة وجاء غيرهم بقول آخر أن الباء وردت للآلة لكنه قول مردود ،فلا يجوز أن يجعل الرأس آلة للمسح

 

 

الرسم التوقيفي الجليل والخط القرآني النبيل

 

 

رسمت لفظة ( المرافق ) بإثبات الألف للإشارة إلى التحرك النفسي والدخول بالعقل في عالم الملكوت ،جاءت هذ ه الألف لتؤدي دورها ، المشكور عند الخالق العظيم وذلك باعتبار أنها جاءت تساعد سيدنا يوسف عليه السلام الذي كان يتكئ عليها ويهش بها على غنمه

 

 

كلمة الصلاة وقيمتها عند الخالق

 

 

 

رسمت الصلاة بالواو بدل الألف للإشارة إلى عظمة هذه الكلمة التي فرضها الله في السماء ،وأن هذه اللفظة تتضمن فضائل كثيرة منها ـ أن المصلي لا صلاة له إلا بتوجهه إلى القبلة ،ومنها أنها لا تقبل إلا بالصمت كما قال الله جل وعلا على لسان مريم (إني نذرت للرحمان صوما ) ومعنى الصوم هنا انقطاع عن الكلام ،ومن معجزاتها أنها فرضت من فوق سماوات أمام الحضرة الإلهية ،فرجع النبي محمد صلى الله عليه وسلم بهذه الهدية إلى أمته

 

 

إعراب آية الوضوء السابقة الذكر

 

 

 

( يا ) حرف نداء ( أيها ) منادى والهاء للتنبيه ( الذين ) بدل ( ءامنوا ) فعل ماض يبنى على الضم لمكان الواو ،والواو فاعل (إلى) حرف جر ( الصلوة ) مجرور بحرف الجر رابطة (اغسلوا )فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل ( وجوهكم( مفعول به منصوب وهو مضاف والكاف مضاف إليه عاطفة ( أيديكم ) معطوف على وجوهكم ( إلى المرافق ) جار ومجرور وعاطفة ( امسحوا ) فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل (ب ) حرف جر زائد رؤوسكم مفعول به في محل نصب والتقدير امسحوا ( رؤوسكم ) وهو مضاف والكاف مضاف إليه   ( و ) حرف عطف ( أرجلكم ) معطوف على الرؤوس ( إ لى لكعبين ) جار ومجرور

 

 

إجمال معاني الباء الزائدة على رؤوسكم

 

 

 

من العلماء من قال إن المسح يكون عاما ،كما قال مالك بن أنس وجاء الإمام الكريم صلى الله عليه وسلم بمسح ناصيته وفسر هذا المسح بربع الرأس فمن قال بزيادة الباء يكون المعنى امسحوا رؤوسكم ،وإذ اجاءت الباء للتبعيض يكون المعنى امسحوا بعض رؤوسكم وإذا كانت للإلصاق يكون المعنى ألصقوا المسح برؤوسكم وجاء بعض الناس بأن هذه الباء للتوكيد

 

 

المصـــــــــــــــــادر

 

 

 

أصول الفقه الإسلامي للدكتور وهبة الزحيلي الجزء الأول صفحة 518

المجتهدون. --كشف الاسرار في علم الأصول للعلامة محمد المعتصم بالله.

 

 

 

بقلم الباحث الدكتور عبد السلام الهبطي الادريسي

 

 

 

 

 

 

محاضرة في علم الأصول

 

تحت عنوان

 

جوانب مهمة جدا من علم أصول الفقه

 

 

 

تاريخ أصول الفقه

 

 

 

أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم  أمره لأصحابه بالاجتهاد في أمور دينهم وسنة رسولهم ،فاجتهدوا في حضوره وفي غيبته ،لكنهم كانوا إذا لم يوفقوا ولم يجدوا  حلا أعادوا مسيرة علمهم بالمراجعة فيما سجلوه من وحي أفكارهم ،ولم يدخل الصحابة رضوان الله عليهم المدينة إلا بعد أن سجلوا ما عرفوه من المصادر العلمية والفكرية ومما يحيط  بهم من أفكارخارجية وداخلية ،وكانوا ما وافقهم الرسول عليه كانوا يكتبونه مخطوطات ويضعونه في مدوناتهم ، وما سكت  عنه الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يبذلون جهودا محاولة منهم في التوصل إلى ما يتمنونه من أعمال ناجحة ومو فقة ،ومع هذا فلم يكونوا بحاجة إلى وضع أصول وقواعد يسيرون عليها في اجتهادهم ،ولما فارق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الدنيا وانقطع الوحي وجد الصحابة أنفسهم أمام حوادث كثيرة أخذت تتزايد يوما بعد يوم ،كلما اتسعت رقعة الإسلام ،ولم تكن هذه الوقائع والحوادث تندرج تحت نصوص الكتاب والسنة الأمر الذي دفعهم إلى ولوج باب الاجتهاد والاستنباط

 

 

 

 

فضل علم أصول الفقه

 

                                  

 

إن من أشرف العلوم علم أصول الفقه ،وفائدته تعود إلى معرفة أحكام الله الشرعية العملية ،ومعرفة أصول الفقه يوجه العلماء إلى معرفة الخطأ والصواب ،وعلم أصول الفقه يعتبر من الوسائل القوية التي تحفظ الدين من التحريف والتضليل ،وعلم أصول الفقه يبين لنا المنهج الذي سلكه الأئمة الأعلام في استنباط الأحكام من الكتاب وسنة خير الأنام ،ومن الجدير بالذكر أن هذا العلم ينمي الملكة الفقهية التي  تفتح الطريق  للعالم المجتهد والمفكر النابغ والباحث الساهرالذي يرى أن مسيرته العلمية ما زالت تسعى وراء التحصيل ،وأنها لا بد لها من الكد والبحث  والبذل

 

 

 

القياس وتعريفه

 

 

 

القياس هو إلحاق واقعة لا نص عل حكمها لواقعة ورد بحكمها نص في الحكم الذي به النص لتساوي الواقعتين في علة الحكم ،مثال على ذلك (شرب الخمر واقعة بالنص حكمها وهو التحريم ،والعلة هي الإسكار ،هذا مع العلم أن القياس اعتبر مرحلة لا حقة في مصادر التشريع ،وصاحبه الشافعي ـ رحمه الله ـ ومن المعارضين للقياس الأصولي (الغزالي وابن حزم ومحمد عابد الجابري ) قال الغزالي في كتابه المستصفى (إن المنطق سيد العلوم كلها ،ومن لا يتقن علم المنطق لايوثق بعلمه )وكان ابن حزم قد سبق الغزالي إلى الدعوة إلى استخدام القياس الأرسطي في كتابه (التقريب لحدود المنطق )وجاء رفض ابن حزم للقياس الأصولي باعتباره أنه يقوم على التعليل وأحكام الله وأوامره ونواهيه وشرائعه لا تقبل التعليل وهناك عدد من العلماء رفضوا منطق أرسطو وقالوا إنه لا يضيف علما ،ومن المعارضين أيضا لقياس أرسطو (ابن تيمية )في عدة كتب منها (نصيحة أهل الإيمان في الرد على منطق اليونان )ومثله قا ل ابن القيم ،ومن الذين اعتمدوا على قياس أرسطو الذي بنا ه على مقدمتين الأولى تحتوي على معنى كلي والمقدمة الوسطى والنتيجة مثال (كل إنسان فان ،سقراط إنسان ،سقراط  فان )، أما العلم فنجده يقول إن العلم يبدأ بالقضية الجزئية وينتهي بالكلية مثال ذلك ( هذا مات وهذا مات وهذا مات  وانتهى الأمر بهذه الصيغة  ( كل إنسان فان ) ومن هذا المنطلق أخذعلماء الغرب يبتعدون عن قياس أرسطو ،وفي نفس الوقت أخذوا يبحثون على قواعد تلتقي فيها مع قياس الشافعي والله جل وعلا قد أتى بقضية وترك القضيتين للبحث عنهما بالتأمل يقول سبحانه ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) أين القضية الثانية ، ولكن بعد التأمل يقول الإنسان ( ولكن الفساد ممتنع ) وبعد هذا يتوصل المتأمل إلى النتيجة التالية (تعدد الآلهة ممتنع ) وهنا نجد أرسطو أطلق لنفسه حرية التعبير كما يحلو له لكن الخالق جل وعلا تركنا نعتمد على أنفسنا لتكون النتيجة ثمار التأمل كما أمر بذلك القرآن الكريم

 

 

 

 

نهج الصحابة في استنباط الأحكام

 

 

 

يقول ابن خلدون في مقدمته ( إن الحياة كانت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم تسير في الأحكام التي كان يتلقاها من الوحي جبريل عليه السلام ،و التي كان ينزل بها على الرسول صلى الله عليه وسلم ،سواء من خلال القرآن ،أو من خلال الوحي ،وكان الرسول يحاول تبيان جميع الأمور الفقهية للصحابة سواء في أفعاله أو أقواله ،وكان الصحابة يتسابقون في النقل  عن رسول الله صلى الله عليه وحفظ  الأحاديث والمسائل الفقهية ،أما من خلال السنة فقد تم الإجماع من الصحابة على وجوب العمل بما كان يوخذ عن الرسول صلى الله عليه وسلم سواء في الفعل والقول ،وأن يتم الأخذ بالأمور التي كان فيها ثقة بأنها منقولة بشكل صحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يتم الأخذ سوى بالأ مور التي يجمع عليها جميع الصحابة اما التي يحدث فيها بعض الإنكار لا يتم الأ خذبها ،وما يصح أن نقوله هو أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يعرفون ما يقولون ،إنهم لم يفعلوا شيئا إلا بعد مراجعة ضمائرهم ومنضبطين في اجتهادهم بقواعد علم الأصول ومناهجه كانوا يرحمهم الله يقولون أنه لا اجتهاد بغير منهج ،ولا استنباط بغير قاعدة

 

 

 

الإجمـــــــــــــــــاع

 

 

 

اذا افترق العلماء في أمر من أمور الدين ولم يصلوا إلى حل شاف كان هذا دليلا على اختلافهم في معالجة قضاياهم ،ولكن إذا اتفقوا ولم يختلفوا كان هذا كان هذا دليلا على أنهم قد أجمعوا على ترقيع ما اختلفوا فيه ،وهذا تقديم متواضع من عبد ربه ،وأقول الإجماع هو اتفاق اجتهاد الفقهاء المسلمين في عصر من العصور على الحكم الشرعي ويعتبر الإجماع باتفاق جمهور الفقهاء المصدر الثالث للشريعة الإسلامية ودليل الفقهاء على هذا المصدر قول الله تعالى ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المومنين  نوله ما تولى ونصله جهنم ،وساءت مصيرا ) سورة النساء الآية 115 وسبيل المومنين هو الإجماع الذي يجب اتباعه  بدليل قوله حل وعلا ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) سورة آل عمران الآية 103 فنهي الله عن التفرق ،هو في نفس الوقت نهي عن مخالفة الإجماع  ،والإجماع الصريح يشمل الإجماع القولي والإجماع العملي وهو أن يتفق كافة الفقهاء المسلمين في عصر من العصور على حكم واحد لواقعة من وقائع القوم أي ما ينزل بهم من مشاكل وأحداث ،وهنا يجد العلما ء أنفسهم أنهم مضطرون إلى النزول والجلوس  على طاولة واحدة للبحث عن الحلول والخروج من مسالك دينية واجتماعية ضيقة ،وبهذا الا تجاه الجاد يصلون إلى ما يسمى ببوابة ( الإجماع )

 

 

 

المصدر والمراجع

 

 

 

 

1   -مبادئ التشريع الإسلامي    للدكتور خالد عبد الله ص  144

 

2  - كشف الأسرار للعلامة علاء الدين      ص 5

 

 - 3 أصول الفقه الإسلامي للعلامة الدكتور وهبة الزحيلي ص 486

 

                

 

 

نشأة علم الأصول

 

لم تدع الحاجة إلى علم أصول الفقهمنذ عصر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بداية تدوينه في أوائل القرن الثالث الهجري ،لأن أدلة الفقه ومصادره وجدت في عصر الرسالة بنزول الوحي ،فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسأل عن أحكام الوقائع حين حدوثها ،فهنا كان ينتظر الوحي فينزل متضمنا أحكام هذه الوقائع ،وهذا ما يسمى بالقرآن باللفظ والمعنى .وآخر ينزل بمعناه ،فكان جبريل يقول للرسول : إن ربك يأمرك أن تفعل كذا أو تأمر بكذا فيفهم جبريل ما أراده مولاه فينزل عليه السلام  معبرا بعبارة من عنده أو بإشارة مفهمة ،وهذا ما يسمى بالسنة ،وكان الرسول صلى الله عليه وسلم ،حينما يتأخر عليه الوحي أحيانا فيجتهد وحده أو يشاور أصحابه ،فكان صلى الله عليه وسلم ،يصيب مرات ويخطئ مرة وهنا كان الوحي ينزل مبينا له الخطأ معاتبا له أو مبينا وجه الحق والصواب .وقد استعمل عليه الصلاة والسلام في الاستدلال على الأحام الطرق التي اعتبرها الأصوليون فيما بعد من الأدلة الأصولية ،وهناك أدلة كثيرة في هذا الشأن ،روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : " أن رجلا جاء إلى النبي عليه السلام ،وقال له :إن أختي نذرت أن تحج ،وأنها ماتت ،فقال له النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم ،لوكان عليها دين أكنت قاضيه ؟ قال نعم ،قال :فاقض الله فهو أحق بالقضاء" ،من هذا يتضح لنا أن الرسول صلى اله عليه وسلم ، قد استعمل القياس ،كما روي عن معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه أن الرسول عليه السلام لما أراد أن يبعثه إلى اليمن ،قال : "له كيف تصنع إن عرض لك قضاء ،قال :أقضي بما في كتاب الله ،قال :إن لم يكن في  سنة رسول الله قال :أجتهد رأيي ولا آلو قال معاذ :فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدري ثم قال :الحمد لله الذي وفق رسول الله لما يرضي الله ورسوله" ،من هنا يتبين لنا أن الرسول الكريم ،قد أقر الاجتهاد وكذلك ما روي عن سعيد بن المسيبعن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : قلت :يارسول الله الأمر ينزل بنا لم ينزل فيه قرآن ولم تمض  منك فيه سنة قال :"اجمعوا له العالمين ،أو قال العابدين من المومنين ،فاجعلوه شورى بينكم ،ولا تقضوا برأي واحد " ومن هذه الأمثلة يتبين أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد اجتهد وأقر أصحابه على الاجتهاد تعليما للأمة وتدريبا لها على الأخذ به عند الحاجة خاصة لأن النصوص من القرآن والسنة متناهية والوقائع غير متناهية ،وغير منحصرة ،وهكذا نجد دلائل الفقه ومصادره في عصر الرسول الكريم القرآن والسنة ، فلم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم بحاجة إلى هذا العلم ،أي :علم الأصول على الإطلاق ، ولما مات الرسول الكريم تحددت نصوص القرآن والسنة بانقطاع الوحي مع وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع بقاء الإذن بالاجتهاد .

 

 

محاضرة تحت عنوان

 

أقســــــــــــام الحكم التكــــــــــــــــــــــــليفي

 

وأنواع التأويل

 

 

 

قسم الأصوليون الحكم التكليفي إلى خمسة أقسام هي 1ـ الإيجاب 2ـ الندب 3ـ التحريم 4ـ الكراهة 5ـ الإباحة ،والحكم الذي هو خطاب الشارع إما أن يدل على طلب فعل من المكلف وهو البالغ القادر الذي يستطيع أن يميز بين الضار والنافع ،أو طلب ترك الفعل بحيث يبتعد عنه ولا يقترب منه ،أو يدل على التخيير بين فعل الشيءأ وتركه ،فإن كان هذا الخطاب يدل على طلب الفعل على وجه الحتم والإلزام فالحكم هنا هو الإيجاب ،إذن فالإيجاب هو كلام الله الدال على طلب الفعل من المكلف أو على طلب تركه طلبا جازما وفي هذا الشأن قال الخالق سبحانه ،(وأقيموا الصلواة وءاتوا الزكواة)سورة البقرة الآية9ـ وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسِــــــــ ءـــو لا ) سورة الإسراء الآية 34ـ أما إذا دل كلام الله تعالى على طلب الفعل لا على وجه الإلزام ،فالحكم هنا هو الندب ،إذن فالندب هو كلام الله تعالى المتعلق بعفعل الإنسان على وجه الطلب الغير الجازم ،فهو مخير بين أن يتركه بدون مؤاخذة ،وإذا فعله فله الأجر والثواب ،من ربه الكريم ،ويتوصل إلى الندب بقرينة يصرفها عن الوجوب كقوله سبحانه وتعالى (يـــــــاـــأيها الذين ءامنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه )سورة البقرة الآية 282 ـ فالأمر هنا جاء يفيد كتابة الدين ،ولكن بصيغة الندب لا للإيجاب بدليل القرينة التي توجد في نفس الآية وهي قوله تعالى (فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي أؤ تمــــــــــن أمــــــــاــنته )سورة البقرة الآية 282ـ فإنها تشير إلى أن الدائن له أن يثق بمدينه ويأتمنه من غير كتابة الدين عليه ،وإذا كان الخطاب يدل على طلب الكف عن الفعل فإن كان هذا على وجه الحتم والإلزام ،فإنه يفيد التحريم ،كما قال الحق سبحانه (حرمت عليكم أمهـــــــــاــــتكم وبناتكم )سورة النساء الآية 23 وقوله سبحانه (إن الذين ياكلون أموال اليتـــــــاـــمى ظلما إنما ياكلون في بطونهم نارا ،وسيصلون سعيرا )سورة النساء الآية 10ـ وإن كان طلب الكف عن الفعل ليس على وجه الإلزام ،فالحكم الكراهة ،إذن فالكراهة هي طلب ترك الفعل طلبا غير جازم ،وهذا ما أشار إليه قوله تعالى (يــــــــــــأيها الذين ءامنوا لا تسألواعن أشياء إن تبد لكم تسؤكم )سورة المائدة الآية 103 ـ فالنهي هنا ليس على حقيقته من التحريم ،لأنه اقترن بقوله تعالى (وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله ،والله غفور حليم ) سورة المائدة الآية 101 ـ وإن كان الخطاب يدل على تخيير المكلف بين فعل شيء أو تركه ،فالحكم هنا للإباحة ، وهذا ما أشار إليه قوله تعالى (ليس على الأعمى حرج)سورة النور الآية 61 ـ وكما ورد في هذا الشأن في قوله سبحانه (ولا جنا ح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء )سورة البقرة الآية 235 ـ هذا مع العلم إلى أن الإباحة شرعية ،وإباحة أصلية ، فالشرعية تحتاج إلى حكم شرعي يرشد الناس إلى التخيير بين الفعل وتركه ،وذلك كما تقدم في الأمثلة السابقة ،أما الإباحة الأصلية ،فإنها تعرف بطريقة العقل ،ومن هنا يقال إن الأصل في الأشياء الإباحة

 

 

التأويل وأنواعه

 

 

المجتهد يأخذ الحكم بظاهر اللفظ ،وفي بعض الأحيان يكون بالأخذ بما وراء ظاهر اللفظ ،وهو ما يعرف بالتأويل ،ويستفاد غالبا بلا تدخل اللفظ

 

 

وهو ثلاثة أنواع

 

 

النوع الأول التأويل القريب وهو ما يمكن معرفته بدون تأمل ،وذلك مثل اعتبار التصدق بمال اليتيم أو إتلافه مساويا لآكله وهذا ما يشير إليه قوله تعالى (إن الذين ياكلون أموا ل   اليتـــــــاـــــمى ظلما إنما ياكلون في بطونهم نارا )سورة النساء الآية 10

 

النوع الثاني التأويل البعيد، وهو ما يحتاج إلى المزيد من التأمل ،وذلك كاستنباط ابن عباس رضي الله عنه أن أقل الحمل (ستة أشهر )في قوله تعالى (وحمله وفصــــــــــاــــــــــله ثلـــــاـــــــــثون شهرا ) سورة الأحقاف الآية 15ـ مع قوله سبحانه (والوالدات يرضعن أولــــــاــــدهن حولين كاملين ،لمن أراد أن يتم الرضاعة ) سورة البقرة الآية 23 ـ وكذلك استدلال الأصوليين بقوله تعالى ( فاعتبروا يــــاـأولي الأبصـــاـــر )سورة الحشر الآية 20ـ على حجية القياس وكونه دليلا شرعيا ،فهذه استنتاجات وإن بدت يسيرة ،فإن الوصول يتعذر إليها ما لم يكن الإنسان مطلعاعلى هذا الشأن ،أو جوال الفكرثاقب النظر ،كما تحتاج إلى تدبر وتأمل ،وهذا لا يتيسر إلا لأولي العلم

 

النوع الثالث ــ التأويل المستبعد وهو ما لا يحتمله اللفظ ،وليس على المؤول تأويله وذلك مثل قوله تعالى (وعلـــاـــــــــمــاـــــت ،وبالنجم هم يهتدون )سورة النحل الآية 16 ـ ورد تفسيرهم لهذا النص بأن النجم هو رسول الله صلى عليه وسلم (والعلامات هم الأئمة )وورد تفسيرهم أيضا لقوله تعالى (وما تغني الآيـــــــاـــــت والنذر عن قوم لا يومنون ) سورة يونس الآية 10 ـ بأن الآيات هم الأئمة ،والنذر هم (الأنبياء )وفسر أصحاب هذا الاتجاه قوله تعالى (عم يتساءلون عن النبأالعظيم )سورة النبأ الآية بالإمام علي رضي الله عنه ،وأنه هو النبأ العظيم

 

 

المصادر ـأدب الاختلاف ـ ص 40   أصول الفقه الإسلامي ص

525

 

بقلم الدكتور عبد السلام الهبطي الادريسي

 

 

 

محاضــــــــــــــرة في أصول الفقه

 

تحــــــــــــــت عنوان

 

النــــــاسخ والمنسوخ

 

جاءت عقيدة السماء لتقر بعقيدة واحدة هي عقيدة التوحيد ،وطرح ما يعبد غير الله جلت قدرته،وقد كان الرسل يأمرون أممهم بتوحيد الخالق ،غير أن شريعة كل رسول منهم اختلفت عن الأخرى،لكن لما جاء الإسلام ألغيت تلك الشرائع ،وأصبح دين الحق هو المهيمن قال الحق سبحانه ( ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخـــــاـــــسرين ) سورة آل عمران الآية 85 ـ ومعلوم أن الحكم االشرعي لا ينسخه إلا حكم شرعي آخر ومن هذا المنطلق نستطيع القول أنه لا نسخ بالعقل والاجتهاد وغير خاف أنه لا مدخل للأخلاق والاعتقادات في هذا المجال ،وما دام الناسخ والمنسوخ هما منطلق الأحكام الشرعية أرى أنه لا بأس من الإشارة هنا إلى تطبيق الناسخ والمنسوخ بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جاء فيه ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور ،الآن فزوروها ) رواه مسلم فهنا نجد آخر الحديث قد نسخ أوله ،ومن نسخ القرآن بالقرآن قوله تعالى ( يــــاــأيها الذين ءامنوا إنما الخمر والميسر والانصاب والازلـــــاـــــــم رجس من عمل الشيطـــــــــاــــــــن فاجتنبوه ) سورة المائدة الآية 90 هذه الآية نسخت الآية 219 من سورة البقرة ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنــــــــاــفع للناس ).

 

سور القرآن باعتبار الناسخ والمنسوخ

 

انقسمت سور القرآن من حيث الناسخ والمنسوخ ،إلى أربعة أقسام ــ ا لأول ليس فيه ناسخ ولا منسوخ ،وهو ثلاث وأربعون سورة ــــ منها الفاتحة وهي ( الحمد لله رب العـــــــاـلمين الرحمــــــاـــن الرحيم ملك يوم الدين ،إياك نعبد وإياك نستعين ...الخ ) و سورة يوسف وهي ( بسم الله الرحمــــــاــــــــــن الرحيم ألر تلك ءايـــاـت الكتــــــاــــــب المبين ،إنا أنزلنـــــاـه قرءانا عربيا لعلكم تعقلون ...الخ ) و سورة يس ، وهي ( يس و القرءان الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم ،تنزيل العزيز الرحيم لتنذر قوما ما أنذر ءاباؤهم فهم غـــــــاــــــفلون لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يومنون ...الخ ) و الحجرات وهي ( يــــــاــأيها الذين ءامنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ،واتقوا الله ،إن الله سميع عليم ...الخ )والرحمــــــــاـــــن ،والحديد ،والصف ،والجمعة ،والتحريم ،والملك ،والحاقة ،ونوح ،والجن ،والمرسلـــاـــــت وعم ،والنــــاـــــزعــــاـــت ،والانفطار...الخ )الثاني فيه الناسخ والمنسوخ وهي خمس وعشرون ،منها ـ البقرة ،والحج ،والنور ،والأحزاب وسبأ، والشورى ، والذاريــاـــت ،والطور ،والواقعة ،والمجادلة ،والمزمل والمدثر ،وكورت والعصر...الخ ) الثالث قسم فيه الناسخ فقط وهو ست (الفتح، والحشر ، والمنــاـــفقون ،والطلــــــاـــــــق والأعلى ،والتغابن)الرابع قسم فيه المنسوخ فقط وهو المحدد بأربعين سورة الباقية

 

دلائل النسخ في القرآن الكريم

 

يعتبر علم الناسخ والمنسوخ دليلا قويا وحجة لها شأن خطيرفي هذا الشأن ، حيث لا يمكن لأي عالم أو باحث أن يستغني عنه أو يعيش بعيدا عن ساحته أو ميدانه لأنه بمثابة الروح للجسد ،فتدخل هذا العلم في النوازل الفقهية أمر ضروري ومؤكد ويتجلى ذلك فيما ياتي قال الحق سبحانه (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أومثلها )سورة البقرة الآية 106 ـوفي هذا الشأن أيضا قال الحق جل وعلا (وإذا بدلنا ءاية مكان ءاية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر ،بل أكثرهم لا يعلمون )سورة النحل الآية 101

 

قيمة الناسخ والمنسوخ في علوم التفسير

 

يعتبر الناسخ والمنسوخ من أساسات علوم التفسير لأنه لا يمكن معرفة الأحكام الشرعية إلا به ،ومن هنا قام علماء فقه الأصول وجندوا أنفسهم للزيادة في رقعة هذا العلم بتأليف عدة مصنفات ،وفي هذا الشأن قال الإمام القرطبي رحمه الله لا يمكن لأي أحد الاستغناء عن هذا الفن ،ولا يتجاهله إلا الذين لا ضمير لهم ،وذلك باعتبار أنه يهتم بمعرفة الحلال والحرام، ويوضح كثيرا من المسائل والنوازل ،ويحل عددا من المسائل التي تقف في وجه علماء هذا العلم ،ويمهد لهم سبل التيسير، كما أنه يعتبر برهانا صريحا على وقوع النسخ في القرآن الكريم أما من حيث معنى هذه الآية فهو ما ننسخ من حكم أو ننسه نأت بحكم آخر مثله أو أفضل منه حسبما تقتضيه المصلحة وتستدعيه سياسة الأمة ،وهذا دليل على أن النسخ كما يكون في القرآن يكون كذلك في السنة ،وذلك باعتبار أن هذه السنة حتى هي وحي من الله سبحانه ،وياتي في هذا السياق قوله سبحانه (يمحو الله ما يشاء ويثبت ،وعنده أم الكتــــــاـــب )سورة الرعد الآية 39 ـ يفيدنا هذا النص الكريم أن الخالق سبحانه يغير من شرائعه ويتصرف بإرادته وحكمته أما علمه عز وجل فهو لا يتبدل في الكتاب لأن التغيير لا يكون إلا في المعلوم لا في العلم لأنه سبحانه يملك (أم الكتاب ) أي اللوح المحفوظ باعتبار أنه المرجع الثابت الذي لا محو فيه ولا إثبات ،وإنما يقع الإثبات والمحو حسبما يقتضيه تصرفه سبحانه ،إذ هو يثبت شريعة ويثبت أخرى ويمحو حكما ويثبت آخر ويمحو مرضا ويثبت صحة ويمحو فقرا ويثبت غنى ويمحو حياة ويثبت موتا

 

نسخ التلاوة مع بقاء الحكم

 

ومما أعجبني من أقسام النسخ في القرآن الكريم ،نسخ التلاوة مع بقاء الحكم ،وذلك بسبب قبول الأمة لهذا القسم بارتياح ،ومما يروى في هذا الشأن ،ما ورد في سورة النور (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما نكالا من الله ،والله عزيز حكيم) ولهذا قال عمر رضي الله عنه (لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها بيدي )،ومما زادني إعجابا بهذا الجانب من علوم الناسخ والمنسوخ ما نجده في نسخ الحكم وبقاء التلاوة في ثلاث وستين سورة ،ومن هذه المساحة المباركة ،قوله تعالى ( و إن تبدوا ما في أنفسكم أ و تخفوه يحاسبكم به الله) سورة البقرة الآية 284 هذا النص منسوخ بقوله سبحانه ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )سورة البقرة الآية286 ثم ياتي النص المنسوخ في قوله تعالى ( يـــاـأيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته )سورة آل عمران الآية 102 و ياتي النص الناسخ في قوله تعالى ( فاتقوا الله ما استطعتم ) سورة التغابن الآية 16

 

الحكمة من نسخ الحكم وترك التلاوة

 

إن كلام الخالق الكريم ما أنزله الله إلا للتبرك وأخذ أحكامه والعمل بمضامينه ،كما أنه أنزل ليثاب القارئ على تلاوته وتجويده ومن هنا تركت تلاوته ،والنسخ غالبا ما أتى الله به إلا للتخفيف والتيسير فأبقيت التلاوة للتذكير بهذه النعمة العظيمة ،وهذا الفضل المبارك الكريم ،ورفع المشقة حتى يبقى المومن على اتصال بربه والتبرك بكلامه ،ونظرا لحكمة هذا العلم ،فإن الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه جعلاه شرطا لكون الإنسان عالما ،وهذا أبو يوسف صاحب أبي حنيفة قال ( لا يحل لأحد أن يفتي حتى يعرفه )

 

المصــــــــادر والمراجع

 

1 ـ أصول الفقه الإسلامي للدكتور وهبه الزحيلي ص195

 

2ــ مفتاح الوصول في علم الأصول لأبي عبد الله المالكي ص137

 

3 ـ الناسخ والمنسوخ في القرآن للشيخ عبد القاهر البغدادي

 

4 ـ الناسخ و المــــــــــــنسوخ لأبي منصور البغدادي

 

 

 

بقلم الدكتور الباحث عبد السلام الهبطي

 

 

 


محاضرة في علم الأصول

تحت عنوان

اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم

 

 

 

بالله أستعين وأقول إن العلماء اختلفوا في صحة الاجتهاد من النبي صلى الله عليه وسلم فقال الأشاعرة وغيرهم من المعتزلة لا يصح الاجتهاد من النبي صلى الله عليه وسلم ،بدليل قوله تعالى (وما ينطق عن الهوى ) سورة النجم الآية 3 فنفى الله عنه الاجتهاد باستثناء الوحي ولو قال بالاجتهاد ما انتظر الوحي أيام فترة الرسالة ،وأفاد جمهور علماء الأصول (له أن يجتهد ) واستدلوا بقوله جل وعلا (لتحكم بين الناس بما أراك الله )سورة النساء الآية104 بمعنى بما جعله لك رأيا ،وقال علماء الأصول إن الله جل شأنه قال (فاعتبروا يـــــــاـــأولي الابصــــاــــــر) سورة الحشر الآية 2 أي خذوا الأحكام بالقياس وهذا الحكم المستنبط من النص هو عام يشمل الرسول وغيره ،وقال الشيخ الشيرازي رحمه الله( في شرح اللمع ) يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم الحكم بالاجتهاد في كل شيءرآه قابلا لهذا الاجتهاد ،وقال الشيرازي يجوز الاجتهاد لسائر الأنبياء صلوات الله عليهم ،وهناك من قال (لا يجوز له ولا لأحد من الأنبياء) والدليل على جواز اجتهاده قوله جل وعلا (لتحكم بين الناس بما أراك الله ) ولم يفرق بين ما أراه الله بالنص والاجتهاد فسياق النص يدل على العموم وهنا نجد أمامنا داود وابنه سليمان عليهما السلام حكما باجتهادهما ولم ينكر الله جل وعلا عليهما فدل ذلك على جوازه ونجد النبي صلى الله عليه وسلم اجتهد في أسرى بدر وغيرذلك مما كان يراه قابلا للاجتهاد ،ومع هذا حكم العلماء بقولهم أنه يجوز الخطأفي اجتهاده ،لقوله جل شأنه (ما كان لنبيء أن يكون له أسرى حتى يثخن في الارض )سورة الأنفال الآية 67 فقد بين الله خطأ اجتهاده لما أخذ المال عوضا عن أسرى بدر ،وقال الإمام البخاري رحمه الله كان على النبي صلى الله عليه وسلم ألا يجتهد بل يتوقف إلى أن يأتيه الوحي .

 

 

 

للعلماء في اجتهاد الرسول ثلاثة آراء

 

 

 

الرأي الأول يفيدنا بامتناع الاجتهاد عليه ،وذلك باعتبار أنه بإمكانه الوصول إلى ما يرد عن طريق وحي السماء ،فما دام الأمر من الله ،فلا حاجة إلى هذا الاجتهاد الأمر الثاني يقول بجواز هذا الاجتهاد كما جاء في قوله جل وعلا (ماكان لنبيء أن يكون له أ سرى حتى يثخن في الأرض )سورة الأنفال الآية 67 الرأي الثالث يقول بجواز اجتهاده في الأمور السريعة الضاغطة كالحروب ،وبعدم جوازه في غير ذلك ،وقد حسن العلماء هذا الرأي لأنه سائر في اتجاه معقول ،والذين قالوا بجواز اجتهاده قال بعضهم لا يجوز عليه الخطأ ،فكل ما أفا دوا به فهو صحيح ،وقال العلامة السبكي إن ما يمكن أن يقال عن اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يخطئ ،وذلك تنزيها لمنصب النبوة عن الخطأفي الاجتهاد ،وقال آخرون يجوز للرسول أن يخطئ ،قالوا ومع جواز هذا الخطأ فهو مأجور ،وقال الشيخ عبد الفقيه الحاصل أن النبي صلى الله عليه وسلم يجوز له أن يجتهد في الأحكام الشرعية التي لا نص فيها ،فإذا أقر على اجتهاده فالواجب اتباعه ،ولا يجوز العدول عنه قال الإمام النووي ما معناه إن ما يجوز فيه الاجتهاد هو ما لم يرد فيه نص قرآني ،وأضاف الفقهاء وعلماء الأصول أن كل ما خرج عن النص يجوز للرسول أن يجتهد فيه ويقدم نتائج جهوده للأمة ،ومن جانب آخر إذا كان الرسول لا يقول إلا الحق ،انطلاقا من الوحي لم يبق للاجتهاد مفعول لأن الرسول الكريم غطى هذا الاجتهاد بما أتاه من السماء أو الوحي ،وهذا ما أشار إليه قول الحق جل وعلا (وما ينطق عن الهوى )سورة النجم الآية 3 ومعنى النص الشريف إن النبي صلى الله عليه وسلم لايتكلم بشيء من أجل الهوى ،ولا يتكلم عن الهوى ،أما معنى قوله جل وعلا (إن هو إلا وحي يوحى ) سورة النجم الآية 4 فهو بمعنى أن ما يبلغه محمد صلى الله عليه وسلم عن ربه جل شأنه فهو وحي من الله لا بهوى ولا بكذب ولا افتراء والله أعلم ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم لا تسمح له أن يقول إلا حقا ،وفي هذا الصدد روى الإمام أحمد وأبو داود أ ن عبد الله بن عمرو قال كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه فنهتني قريش فقالوا إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله،ورسول الله بشر،يتكلم في الغضب والرضى ،،فأمسكت عن الكتاب فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي (أ كتب فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا الحق )   وروى أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إني لا أقول إلا حقا(.

 

 

رأيي في الموضوع

 

 

 

ومن خلال ما تقدم أقول إن النبي محمدا جاء يصلح أحوال الناس ،ومن أبرزما جاء به الرسول لأمته مبدأ الحق الذي هو النبوة ،أما اجتهاده فيبقى ضئيلا بالنسبة للوحي الإلهي ،فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم بعث قبل كل شيء رحمة لحل مشاكل الأمة ،ومن ضمنها اجتهاده الذي يعتبر تدخله في قضايا المسلمين نصرا وتخفيفا من تراكم ما وقف لهم في الطريق من عقبات يصعب حلها إلا بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ،وإذا وجد لها حلولا بسرعة فهو نبي موحى إليه ،وإذا تأخرت فهو مجتهد،ولكن الراجح يبقى أن الرسول يوحى إليه في أغلب قضاياه واجتهاده مقبول باعتباره بشرا ،ويجوز له أن يجتهد ،لكن إذا لم يقف له في طريق الاجتهاد نص كما قال علماء الأصول والفقهاء ،و رغم أقوال الفقهاء باجتهاده فيبقى أمامنا ما نطمئن إليه ، هو أن أعظم ما يتعلق برسالته يعتبر بحق وحيا من السماء ،ومع ذلك يجوز له صلى الله عليه وسلم أن يمارس اجتهاده بفكره و تجاربه باعتباره بشرا ويقدم نتائج اجتهاده لأمته ،لكن ما ذا نقول أمام هذا الاجتهاد إذا كان الرسول لا يقول إلا حقا،وفي هذا الشأن قال الخالق جل وعلا(إن هو إلا وحي يوحى )سورة النجم الآية 4 أمام هذا النص الشريف يقف الاجتهاد ويبقى معنا وحي السماء ،الذي يغيب معه ما يتعلق بأمور الدنيا ،لكن مع ذلك فإن دور الاجتهاد يبقى قائما على الساحة ،وذلك باعتبار أن النبي صلى الله عليه و سلم  بشرا ،ولكن بعطاء قليل أمام الوحي الإلهي والله أعلى وأعلم .

 

 

 

تقسيم العلماء لأقوال وأفعال النبي ...

 

 

 

ثبت عن العلماء أن ما يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقوال وأفعال يرجع إلى قسمين القسم الأول (أقوال وأفعال )فإنها صادرة بتوقيف من الوحي ،وبأمر من الرب جل شأنه ففي هذا الأمر يكون فيها النبي مبلغا ناقلا أمينا يأمر بما أمر الله ،فالنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن يعمل بأمر الخالق ولا يخرج عما رسمه الله له ،أما القسم الثاني (أقوال وأفعال )فهي صادرة عن النبي صلى الله عليه وسلم واجتهاده ،وبأمرمنه وفي هذه المحطة لم يكن الرسول فيها مبلغا ولا ناقلا ،وإنما يكون مشرعا مجتهدا لا أقل ولا أكثر ،وذلك بناء على ما خوله جل شأنه من التشريع والحكم بين أفراد الأمة والله سبحانه يقره على ذلك باستثناء بعض الحالات التي كان في اجتهاده شيء من الخطأ ،فحينئذ ينزل الوحي من الخالق جل وعلا بتصويب ذلك ،وبهذا تبقى العصمة التامة لجميع ما يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم ،وإذا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمته ما أوحى الله إليه ،ففي هذا الأمر يكون الحكم حاصلا منه جل شأنه ، ،وإذا اجتهد الرسول الكريم في حكمه وبذل جهده في التوصل إلى الحل ،فهنا يكون الحكم راجعا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم والحمد لله رب العالمين .

 

 

 

المصادر والمراجع

 

 

1ـ أصول الفقه الإسلامي   للدكتور وهبة الزحيلي ص   1055

2 ـ محاضرات في أصول الفقه    للأستاذ محمد الجوزي ص31

3ـ ص 144 مبادئ التشريع الإسلامي   للدكتور خالد عبد الله

 

 

 

بقلم الدكتور الباحث عبد السلام الهبطي الإدريسي